فصل: القراءات:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.تفسير الآية رقم (21):

قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (21)}.

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما ثبت بهذا البيان عما للكافرين بقسميهم من الشقاوة مع تمام القدرة شمول العلم المستلزمان للواحدانية أنتج قطعًا إفراده بالعباده الموجبه للسعادة المضمنة لإياك نعبد، فوصل بذلك قوله: مقبلًا عليهم بعد الإعراض عنهم عند التقسيم إيذانًا بأنهم صاروا بما تقدم من ضرب الأمثال وغيرها من حيز المتأهل للخطاب من غير واسطة تنشيطًا لهم في عبادته وترغيبًا وتحريكًا إلى رفع أنفسهم بإقبال الملك الأعظم عن الخضوع لمن هو دونه بل دونهم وبشارة لمن أقبل عليه بعد أن كان معرضًا عنه بدوام الترقيه، فيزال ما أشار إليه حرف النداء والتعبير عن المنادى من بقية البعد بالسهو والغفلة والإعراض بالتقصير في العبادة والاضطراب والذبذبة {يا أيها الناس}.
قال الحرالي في تفسيره {يا} تنبيه من يكون بمسمع من المنبه ليقبل على الخطاب، وهو تنبيه في ذات نفس المخاطب ويفهم توسط البعد بين آيا الممدودة وأي المقصورة أي اسم مبهم، مدلوله اختصاص ما وقع عليه من مقتضى اسم شامل، ها كلمة مدلولها تنبيه على أمر يستفيده المنبه- انتهى.
وأكد سبحانه الكلام بالإبهام والتنبيه والتوضيح بتعيين المقصود بالنداء تنبيهًا على أن ما يأتي بعده أمور مهمة يحق لها تشمير الذيول والقيام على ساق الجد.
وقال الحرالي: اعلم أنه كما اشتمل على القرآن كله فاتحة الكتاب فكذلك أيضًا جعل لكل سورة ترجمة جامعة تحتوي على جميع مثاني آيها، وخاتمة تلتئم وتنتظم بترجمتها، ولذلك تترجم السورة عدة سور، وسيقع التنبيه على ذلك في موضعه إن شاء الله تعالى.
واعلم مع ذلك أن كل نبئ منبأ- يقرأ بالهمز- من النبأ وهو الخبر، فإنه شرع في دعوته وهو غير عالم بطية أمره وخبر قومه، وأن الله عز وجل جعل نبيه محمدًا صلى الله عليه وسلم نبيًا منبيًا من النبوة- يقرأ بغير همز.
ومعناه رفعة القدر والعلو، فمما أعلاه الله به أن قدم له بين يدي دعوته علم طيّة أمره ومكنون علمه تعالى في سر التقدير الذي لم يزل خبأ في كل كتاب، فأعلمه بأنه تعالى جبل المدعوين الذين هم بصفة النوس مترددين بين الاستغراق في أحوال أنفسهم وبين مرجع إلى ذكر ربهم على ثلاثة أضرب: منهم من فُطِر على الإيمان ولم يطبع عليه أي على قلبه فهو مجيب ولا بد، ومنهم من طبع على الكفر فهو آب ولا بد، ومنهم من ردد بين طرفي الإيمان ظاهرًا والكفر باطنًا، وإن كلًا ميسر لما خلق له؛ فكان بذلك انشراح صدره في حال دعوته وزال به ضيق صدره الذي شارك به الأنبياء- بالهمز، ثم علا بعد ذلك إلى مستحق رتبته العلية، فكان أول ما افتتح له كتابه أن عرفه معنى ما تضمنته {الم} ثم فصل من ذلك ثلاثة أحوال المدعوين بهذا الكتاب، وحينئذ شرع في تلقينه الدعوة العامة للناس، فافتتح بعد ذلك الدعوة والنداء والدعوة إلى العبادة يعني بهذه الآية، وتولى الله سبحانه دعوة الخلق في هذه الدعوة العامة التي هي جامعة لكل دعوة في القرآن.
ولما ضمن صدرها من الوعيد في حق رسوله فلم يجر خطاب ذلك على لسانه، ولما فيها من السطوة وخطاب الملك والجزاء ومحمد صلى الله عليه وسلم رحمة للعالمين فلم ينبغ إجراؤها على لسانه لذلك، وغيره من الرسل فعامة دعوة من خص الله سبحانه خبر دعوته فهي مجراة على ألسنتهم ولذلك كثرت مقاواة قومهم ومدعويهم لهم، ولما أجرى الحق تعالى هذه الدعوة من قبله كان فيها بشرى بالغلبة وإظهار دينه، لأن الله سبحانه وتعالى لا يقاويه خلقه، ولما انتهى إلى البشرى التي هي رحمة أجرى الكلام على مخاطبته عليه السلام بقوله: {وبشر} [البقرة: 25] ومع إجراء دعوة المرسلين على ألسنتهم علقت باسم الله بلفظ {أن اعبدوا الله} [المائدة: 117] ونحو فعزّ على أكثر النفوس الإجابة لفوات اسم الله عن إدراك العقول، ومع تولي الله سبحانه لهذه الدعوة بسلطانه العلي أجراها باسم الربوبية وهو اسم أقرب مثالًا على النفوس، لأنها تشاهد آياته بمعنى التربية والربابة، ومع ذلك أيضًا فذكر اسم الله في دعوة المرسلين غير متبع ولا موصوف بآيات الإلهية، ولو ذكر لما قرب مثالًا علمها فهي كالشمس والقمر ونحو ذلك، وذكر تعالى الربوبية في هذه الدعوة متبعة بآياتها الظاهرة التي لا تفوت العقل والحس ولا يمكن إنكارها، ووجه بعد النفوس عن الانقياد عند الدعوة باسم الله أن آيات الربوبية التي يسهل عليها الانقياد من جهتها التي بيسير منها تنقاد للملوك وأولي الإحسان، لأنها جبلت على حب من أحسن إليها تبقى عند الدعوة باسم الله بمعزل عن الشعور بإضافتها لاسم الله ويحار العقل في المتوجه له بالعبادة، وتضيف النفوس الغافلة آيات الربوبية إلى ما تشاهده من أقرب الأسباب في العوائد، كالفصول التي نيطت الموالد والأقوات بها في مقتضى حكمة الله سبحانه أو إلى أسباب هذه الأسباب كالنجوم ونحو ذلك، فلا يلتئم للمدعو حال قوامه بعبادته فيكثر التوقف والإباء، واقتضى اليسر الذي أراد الله بهذه الأمة ذكر الربوبية منوطًا بآياتها- انتهى.
ولما كانت العبادة المختلّة بشرك أو غيره ساقطة والازدياد من الصحيحة والاستمرار عليها عبادة جديدة يحسن الأمر بها خاطب الفريقين فقال: {اعبدوا ربكم} أي الذي لا رب لكم غيره عبادة هي بحيث يقبلها الغني.
ثم وصفه بما أشارت إليه صفة الرب من الإحسان تنبيهًا على وجوده ووجوب العبادة له بوجوب شكر المنعم فقال: {الذي خلقكم} قال الحرالي: {الذي} اسم مبهم مدلوله ذات موصوف بوصف يعقب به وهي الصلة اللازمة له، والخلق تقدير أمشاج ما يراد إظهاره بعد الامتزاج والتركيب صورة {والذين من قبلكم} القبل ما إذا عاد المتوجه إلى مبدأ وجهته أقبل عليه- انتهى.
ثم بين نتيجتها بقوله: {لعلكم تتقون} أي لتكون حالكم بعبادته لأنها كلها محاسن ولا حسن في غيرها حال من ترجى له التقوى، وهي اجتناب القبيح من خوف الله، وسيأتي في قوله: {لعلكم تشكرون} ما ينفع هنا.
وقال الحرالي: لعل كلمة ترج لما تقدم سببه، وبدأ من آيات الربوبية بذكر الخلق لأنه في ذواتهم، ووصل ذلك بخلق من قبلهم حتى لا يستندوا بخلقهم إلى من قبلهم وترجى لهم التقوى لعبادتهم ربهم من حيث نظرهم إلى خلقهم وتقدير أمشاجهم، لأنهم إذا أسندوا خلقهم لربهم كان أحق أن يسندوا إليه ثمرة ذلك من صفاتهم وأفعالهم فيتوقفون عن الاستغناء بأنفسهم فينشأ لهم. بذلك تقوى- انتهى. اهـ.

.اللغة:

{خلقكم} الخلق: الإيجاد والاختراع بلا مثال، وأصله في اللغة التقدير، يقال: خلق النعل إذا قدرها وسواها بالمقياس، وخلق الأديم للسقاء إذا قدره، قال الحجاج: ما خلقت إلا فريت، ولا وعدت إلا وفيت أى ما قدرت شيئا إلا أمضيته، ولا وعدت بشيء إلا وفيت به.
{فراشا} الفراش: الوطاء والمهاد الذي يقعد عليه الإنسان وينام.
{بناء} البناء: ما يبنى من قبة أو خباء أو بيت.
{أندادا} جمع ند وهو الكفء والمثيل والنظير، ومنه قول علماء التوحيد ليس لله ند ولا ضد قال حسان: أتهجوه ولست له بند فشركما لخيركما الفداء. وقال الزمخشري: الند: المثل، ولا يقال إلا للمخالف المناوئ، قال جرير: أتيما تجعلون إليّ ندا؟
{وقودها} الوقود: الحطب الذي توقد به النار، قال القرطبي: الوقود بالفتح الحطب، وبالضم مصدر بمعنى التوقد.
{أعدت} هيئت، وأعددنا: هيأنا، قال البيضاوي: {أعدت} هيئت لهم وجعلت عدة لعذابهم.
{وبشر} البشارة: الخبر السار الذي يتغير به بشرة الوجه من السرور، وإذا استعمل في الشر فهو تهكم، مثل {فبشرهم بعذاب أليم}.
{أزواج} جمع زوج، ويطلق على الذكر والأنثى.
{اسكن أنت وزوجك الجنة} فالمرأة زوج الرجل، والرجل زوج المرأة، قال الأصمعي: لا تكاد العرب تقول زوجة، وإنما يقولون زوج، لكل من الذكر والأنثى.
{خالدون} باقون دائمون، لا يخرجون منها. اهـ.

.القراءات والوقوف:

قال النيسابوري:

.القراءات:

{خلقكم} مدغمًا: أبو عمرو وكذلك كل ما كان قبلها متحرك.
وزاد عباس كل ما كان قبلها ساكن مثل {ما خلقكم} {وصديقكم} و{بورقكم} و{ميثاقكم} وأشباه ذلك.
قال ابن مجاهد: يدغمها بإظهار صوت القاف.
وقال غيره- وهو ابن مهران- لا يظهر ذلك وكل صواب.

.الوقوف:

{تتقون} لأن {الذي} صفة الرب تعالى.
{بناء} ص لعطف الجملتين المتفقتين {لكم} ج لانقطاع النظم مع فاء التعيب.
{تعلمون}. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

اعلم أن في هذه الآيات مسائل:
المسألة الأولى: أن الله تعالى لما قدم أحكام الفرق الثلاثة، أعني المؤمنين والكفار والمنافقين.
أقبل عليهم بالخطاب، وهو من باب الالتفات المذكور في قوله تعالى: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}.
وفيه فوائد:
أحدها: أن فيه مزيد هز وتحريك من السامع كما أنك إذا قلت لصاحبك حاكيًا عن ثالث: إن فلانًا من قصته كيت وكيت، ثم تخاطب ذلك الثالث فقلت: يا فلان من حقك أن تسلك الطريقة الحميدة في مجاري أمورك، فهذا الانتقال من الغيبة إلى الحضور يوجب مزيد تحريك لذلك الثالث.
وثانيها: كأنه سبحانه وتعالى يقول: جعلت الرسول واسطة بيني وبينك أولًا ثم الآن أزيد في إكرامك وتقريبك، فأخاطبك من غير واسطة، ليحصل لك مع التنبيه على الأدلة، شرف المخاطبة والمكالمة.
وثالثها: أنه مشعر بأن العبد إذا كان مشتغلًا بالعبودية فإنه يكون أبدًا في الترقي، بدليل أنه في هذه الآية، انتقل من الغيبة إلى الحضور.
ورابعها: أن الآيات المتقدمة كانت في حكاية أحوالهم، وأما هذه الآيات فإنها أمر وتكليف، ففيه كلفة ومشقة فلابد من راحة تقابل هذه الكلفة، وتلك الراحة هي أن يرفع ملك الملوك الواسطة من البين ويخاطبهم بذاته، كما أن العبد إذا ألزم تكليفًا شاقًا فلو شافهه المولى وقال: أريد منك أن تفعل كذا فإنه يصير ذلك الشاق لذيذًا لأجل ذلك الخطاب. اهـ.
قال الفخر:
حكي عن علقمة والحسن أنه قال: كل شيء في القرآن: {يا أَيُّهَا الناس} فإنه مكي، وما كان {يَا أَيُّهَا الذين ءامَنُواْ} فبالمدينة، قال القاضي: هذا الذي ذكروه إن كان الرجوع فيه إلى النقل فمسلم، وإن كان السبب فيه حصول المؤمنين بالمدينة على الكثرة دون مكة فهذا ضعيف، لأنه يجوز أن يخاطب المؤمنين مرة بصفتهم، ومرة باسم جنسهم، وقد يؤمر من ليس بمؤمن بالعبادة، كما يؤمر المؤمن بالاستمرار على العبادة والازدياد منها، فالخطاب في الجميع ممكن. اهـ.

.قال السمرقندي:

{يا أيها الناس اعبدوا رَبَّكُمُ} أي أطيعوا ربكم ويقال: وحّدوا ربكم.
وهذه الآية عامة، وقد تكون كلمة يا أيها الناس خاصة لأهل مكة وقد تكون عامة لجميع الخلق، فهاهنا {يا أَيُّهَا الناس} لجميع الخلق.
يقول للكفار: وحدوا ربكم، ويقول للعصاة: أطيعوا ربكم، ويقول للمنافقين: أخلصوا بالتوحيد معرفة ربكم، ويقول للمطيعين: اثبتوا على طاعة ربكم.
واللفظ يحتمل هذه الوجوه كلها، وهو من جوامع الكلم.
واعلم أن النداء في القرآن على ست مراتب: نداء مدح، ونداء ذم، ونداء تنبيه، ونداء إضافة، ونداء نسبة، ونداء تسمية.
فأما نداء المدح فمثل قوله تعالى: {يا أيها النبى} {يا أيها الرسل} {يا أيها الذين آمنوا} ونداء الذم مثل قوله تعالى: {يا أيهالذين كَفَرُواْ} {يا أيها الذين هَادُواْ} ونداء التنبيه مثل قوله تعالى: {يا أيها الإنسان} {يا أَيُّهَا الناس} ونداء الإضافة مثل قوله تعالى: {يا عِبَادِى} ونداء النسبة مثل قوله: {يا بني آدم} {يا بَنِى إسراءيل} ونداء التسمية مثل قوله تعالى: {يا دَاوُودُ} {يا إِبْرَاهِيمَ} فهاهنا ذكر نداء التنبيه فقال: {يا أَيُّهَا الناس} أخبر بالنداء أنه يريد أن يأمر أمرًا أو ينهى عن شيء. اهـ.

.قال الفخر:

اعلم أن الألفاظ في الأغلب عبارات دالة على أمور هي: إما الألفاظ أو غيرها، أما الألفاظ فهي: كالاسم والفعل والحرف، فإن هذه الألفاظ الثلاثة يدل كل واحد منها على شيء، هو في نفسه لفظ مخصوص، وغير الألفاظ: فكالحجر والسماء والأرض، ولفظ النداء لم يجعل دليلًا على شيء آخر، بل هو لفظ يجري مجرى عمل يعمله عامل لأجل التنبيه.
فأما الذين فسروا قولنا: يا زيد بأنادي زيدًا، أو أخاطب زيدًا فهو خطأ من وجوه:
أحدها: أن قولنا: أنادي زيدًا، خبر يحتمل التصديق والتكذيب، وقولنا يا زيد، لا يحتملها.
وثانيها: أن قولنا يا زيد، يقتضي صيرورة زيد منادى في الحال، وقولنا أنادي زيدًا، لا يقتضي ذلك.
وثالثها: أن قولنا يا زيد يقتضي صيرورة زيد مخاطبًا بهذا الخطاب وقولنا أنادي زيدًا لا يقتضي ذلك لأنه لا يمتنع أنه يخبر إنسانًا آخر بأني أنادي زيدًا.
ورابعها: أن قولنا أنادي زيدًا، إخبار عن النداء، والإخبار عن النداء غير النداء، والنداء هو قولنا: يا زيد، فإذن قولنا: أنادي زيدًا، غير قولنا يا زيد، فثبت بهذه الوجوه فساد هذا القول.
ثم هاهنا نكتة نذكرها وهي: أن أقوى المراتب الاسم، وأضعفها الحرف، فظن قوم أنه لا يأتلف الاسم بالحرف، وكذا أعظم الموجودات هو الحق سبحانه وتعالى، وأضعفها البشر {وَخُلِقَ الإنسان ضَعِيفًا} [النساء: 28] فقالت الملائكة: أي مناسبة بينهما {أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا} [البقرة: 30] فقيل قد يأتلف الاسم مع الحرف في حال النداء، فكذا البشر يصلح لخدمة الرب حال النداء والتضرع {رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا} [الأعراف: 23]، {وَقَالَ رَبُّكُمْ ادعونى أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [غافر: 60]. اهـ.
قال الفخر:
ياء حرف وضع في أصله لنداء البعيد وإن كان لنداء القريب لكن لسبب أمر مهم جدًا، وأما نداء القريب فله: أي والهمزة، ثم استعمل في نداء من سها وغفل وإن قرب تنزيلًا له منزلة البعيد.
فإن قيل فلم يقول الداعي يا رب يا الله وهو تعالى يقول: {وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الوريد} [ق: 16] قلنا هو استبعاد لنفسه من مظان الزلفى وما يقربه إلى منازل المقربين هضمًا لنفسه وإقرارًا عليها بالتنقيص حتى يتحقق الإجابة بمقتضى قوله: «أنا عند المنكسرة قلوبهم من أجلي» أو لأجل أن إجابة الدعاء من أهم المهمات للداعي. اهـ.
قال الفخر:
أي وصلة إلى نداء ما فيه الألف واللام كما أن ذو والذي وصلتان إلى الوصف بأسماء الأجناس ووصف المعارف بالجمل، وهو اسم مبهم يفتقر إلى ما يزيل إبهامه، فلابد وأن يردفه اسم جنس، أو ما يجري مجراه يتصف به حتى يحصل المقصود بالنداء فالذي يعمل فيه حرف النداء هو أي والاسم التابع له صفة كقولك يا زيد الظريف إلا أن أيا لا يستقل بنفسه استقلال زيد فلم ينفك عن الصفة وموصوفها وأما كلمة التنبيه المقحمة بين الصفة وموصوفها ففيها فائدتان: الأولى: معاضدة حرف النداء بتأكيد معناه.
والثانية: وقوعها عوضًا مما يستحقه أي من الإضافة وإنما كثر في كتاب الله تعالى النداء على هذه الطريقة لاستقلاله بهذه التأكيدات والمبالغات فإن كل ما نادى الله تعالى به عباده من الأوامر والنواهي، والوعد والوعيد، واقتصاص أخبار المتقدمين بأمور عظام، وأشياء يجب على المستمعين أن يتيقظوا لها مع أنهم غافلون عنها، فلهذا وجب أن ينادوا بالأبلغ الآكد. اهـ.